أ.بروف.د. صبحي البستاني،
المجلد ۲، العدد ۲ - ( ۲-۱۴۴۳ )
إن النقد الجامعي أو الأكاديمي هو في سباق مستمر مع النتاج الأدبي، إذ يسعى دائما إلى تصنيفه وتأطيره وتحديده. ولكن التبدل السريع الذي يحدث في المجتمع على مختلف المستويات يجعل الأطر والحدود باطلة ولو جزئيا. وإذا نظرنا إلى الرواية كنوع أدبي، وبالرغم من أن الحرية والانفلات هما من طبيعتها أصلا (Robert,۱۹۷۲ :۲۴)، نرى بعضا منها يتخطى في القرن الحادي والعشرين كل المقاييس التقليدية. فقد اتخذت مثلا وسائل التواصل الحديثة من إنترنيت وفايسبوك وسواهما دورا مهما في ميدان الإبداع الأدبي، وبتنا نقرأ مثلا رواية كرواية عشيقة آدم للكاتب التونسي منصف الوهايبي والتي يصفها المؤلف "بالراوية الفايسبوكية" حيث لا سرد فيها وإنما هي حوار على الفايسبوك بين رجل وامرأة، "حوار الأصابع"، كما ينعتها أيضا المؤلف. وهناك غيرها من الروايات )جرجور،۲۰۱۶) فتطرح جديا إذاً مسألة الحدود بين الأنواع الأدبية بشكل يتجاوز نظرية "عبر النوعية" لأدوار الخراط (الخراط،۱۹۹۴).
وفي هذا الخضم من اضطراب المقاييس، يشهد الحقل الأدبي العربي، وفي مجال الكتابة الروائية أيضا، مبادرات تجديدية أخرى، جاءت كردة فعل مباشرة أو غير مباشرة على الأحداث التي يعيشها العالم العربي في هذا العقد الأخير، أي قبيل ما يسمى "بالربيع العربي" وبالفترة التي تليه. ومن هذه المبادرات ما يتجاوز البنية التقليدية للرواية ويحطم الترتيب الزمني والتسلسل التاريخي ويلغي الحدود بين الواقع والفانتازيا فيدخل "الخيال العلمي" كعامل مباشر في بناء السرد وتطور الاحداث. فهي، وإن غاصت في الماضي أحيانا، مستلهمة التراث، فإنها في الوقت نفسه تستشرف المستقبل. وفي هذا السياق تقع الكتابة الحديثة التي تنتمي إلى تيار اليوتوبيا والديستوبيا Utopie et Dystopie. ومن الروايات العديدة التي سارت في هذا التيار سنتناول في بحثنا روايتين: "يوتوبيا" لأحمد خالد توفيق الصادرة سنة ۲۰۰۸، و"عُطارد"لمحمد ربيع الصادرة سنة ۲۰۱۵. ترمي هذه المقالة إلى تحليل التقنية الروائية التي تتخطى تراتبية الزمن في السرد من جهة، وتخلق عوالم تزول فيها الحدود بين الواقع والفانتازيا من جهة ثانيةعلی المنهج الوصفي التحلیلي كما أنها تحاول أخيرا الربط بين هذا النوع من الكتابة والوضع السياسي الاجتماعي المضطرب الذي يعيشه المجتمع العربي.