إنّ التركيب النحوي في النص تنظمه تلك الفكرة الّتي تكوّن الرؤية الفنية للنص الأدبي، فلايمكن الوصول إليها إلّا بإدراك المعاني النحوية المستنبطة منه. أي إذا طغت علی النص رؤية تشاؤمية فيغطی علیه ما يلائمها من التركيب النحوي. وهذا ما نجده في رواية «حرب الكلب الثانية» لإبراهيم نصرالله الفلسطيني، فقد سادت علی هذه الرواية السياسية، الرؤية التشاؤمية، لأن أکثر شخصياتها الروائية سلبية انتهازية جدّا، خاصّة بطل الرواية «راشد» الّذي يتجاوز كل القيم الأخلاقية والاجتماعية في سبيل تحقيق مصالحه الخاصّة حيث يعارض تلك القيم الثورية التي كان يناضل لأجلها فينفيها نفيا قاطعا ليتحوّل من سجين إلی سجّان، ويشاركَ ببراعة مع الضابط شقیق سلام زوجة راشد في الاتّجار بالبشر. هذا النفي للقيم ورفضها يناسب أسلوب النفي لغويا. فجاء هذا الأسلوب أكثر استخداما في الرواية من الأساليب النحوية الأخری ليتناسب مع الرؤية التشاؤمية السائدة علی الرواية وفي مستويات اللغة الثلاثة للرواية: السرد، والحوار، والوصف. فلهذه الرؤية التشاؤمية حاز أسلوب النفي فيها مكانة عالية، خاصّة في قضية الأشباه (الشبيهات) الّتي كثُرت وجودها في الرواية بشکل مکثف، حيث يصبح من الصعب التمييز بين أصل الأشياء وبين شبيهاتها رغم الفروق الكثيرة في ماهيتهما. فيهدف المقال إلی دراسة جمالية أسلوب النفي ليجيب عن مدی التناسق بين أدوات النفي والرؤية التشاؤمية مع مستويات اللغة الروائية الثلاثة بتتبّع للمنهج الوصفي – التحليلي مستمدا من الأسلوبية الإحصائية، ليصل إلی أن الراوي استخدم أسلوب النفي في هذه الرواية ۱۷۵۹ مرّة وبنسبتها المئوية ۵۲%؛ وهذا متلائم مع الرؤية التشاؤمية السائدة علی الرواية والناتجة عن فساد السلطة الفلسطينية المستبدة، لأنّ في الرواية شخصيات انتهازیّة تعمل أعمالا سلبیّة لتحقيق مصالحها، خاصّة بطل الرواية راشد الّذي تتميز شخصيته بأنها سلبية جدّا، مما يؤدي الى أن تتغير شخصيته من الإيجابية، إلی السلبية والانتهازية.