جاءت الحداثة ومابعدها لتقدّم تحليلات مختلفة وتجارب جديدة في السرد، إذ قامت بتحطيم القواعد الفنية المألوفة للرواية وتشكيل صيغ جديدة للتحرّر من قيود الصوت الأحادي للسرد متجاوزة التنميط والنمذجة والأحادية في الأصوات. يتحقّق هذا الاتّجاه بكسر التماسك، واستبداله بمنطق التفكيك والتشتيت، وسيلان الحدود الفاصلة بين الضمائر، وانتقال الراوي من هيمنة صوت الأنا إلى هيمنة صوت الآخرين؛ وهذا ما سمّاه النقاد بتقنية الأصوات المتعددة. ولأهمية هذا الأسلوب، اعتمد الباحثون عليه کموضوع للدراسة، هذا بالإضافة لقلّة تطبيقه في العملية النقدية للنصوص السردية في نتاجات ربيع جابر (۱۹۷۲م)، الروائي اللبناني الذي نال الجائزة العالمية للرواية العربية. وقف ربيع جابر بالأسلبة الروائية عند حدود تعدد الأصوات في رواية «الاعترافات» (۲۰۰۷م)، حيث تؤدّي معظم شخوصها دوراً في رواية الوقائع وسرد مجرى الأحداث، فلا يبدو السارد سلطوياً بشخوص عالم السرد. وأهم ما توصّل إليه البحث هو أنّ تعدد الأصوات يظهر في هذه الرواية من خلال تقديم وجهات نظر مختلفة، وتنويع الشخصيات وخلفياتهم، واستكشاف قضايا اجتماعية وسياسية من وجوه نظر متعددة. يساهم هذا التنوع في إغناء الحبكة السردية وتقديم رؤى جديدة للواقع العربي. وتحتوي عملية عرض شخوص الرواية على أساليب كلامية متعددة ولكن ليس ربيع جابر هو الذي يدلي باعترافاته، فهو ليس الراوي في روايته، إنه المروي عليه والمروي له.